النفقة الزوجية في القانون الإماراتي: دليل شامل عن متى تُفرض ومتى تسقط؟
الكلمات المفتاحية الأساسية: النفقة الزوجية في القانون الإماراتي، نفقة الزوجة، متى تسقط النفقة، أحكام النفقة، قانون الأحوال الشخصية الإماراتي، تقدير النفقة، نفقة المتعة، نفقة العدة، نشوز الزوجة، مذكرة دفاع نفقة.
مقدمة: مفتاحك لفهم أعمق للنفقة الزوجية في الإمارات
في رحاب محاكم الأحوال الشخصية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتشابك خيوط العلاقات الأسرية، تظل قضايا النفقة الزوجية إحدى الركائز الأساسية التي تضمن استمرارية الحياة الكريمة للزوجة والأبناء، سواء أثناء قيام الزوجية أو بعد انقضائها. لم تكن النفقة يومًا مجرد التزام مالي، بل هي تجسيد للقوامة والرحمة، وعلامة على التزام اجتماعي وقانوني راسخ، يستمد قوته من الشريعة الإسلامية ويدعمه التشريع الاتحادي بدقة متناهية. إن النفقة الزوجية في القانون الإماراتي لا تنحصر في مفهومها البسيط، بل تتسع لتشمل جوانب حياتية متعددة، تُعنى بضمان مستوى معيشي لائق للزوجة في ظل مسؤولية الزوج.
يتجاوز هذا المقال مجرد التعريفات القانونية، ليقدم تحليلاً عميقاً لكافة جوانب النفقة الزوجية، بدءاً من شروط فرضها، مروراً بآليات تقديرها، وصولاً إلى حالات سقوطها، معززاً ذلك بالدفوع القانونية العملية وأحكام المحاكم. يهدف هذا الدليل إلى تزويد المحامين والقضاة وعموم المهتمين بفهم شامل ودقيق لهذه المسألة القانونية الحيوية، مستنداً إلى قانون الأحوال الشخصية الإماراتي وأحدث أحكام محاكم التمييز الصادرة في هذا الشأن.
1. فهم أركان النفقة الزوجية في التشريع الإماراتي
تُعد النفقة ركناً أساسياً من أركان العلاقة الزوجية، وليست مجرد عرف اجتماعي أو التزام معلق على إحسان الزوج. لقد جعلها المشرع الإماراتي حقاً قانونياً ثابتاً، يستند في جوهره إلى مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، ويُفصّل أحكامه في القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية.
تعريف النفقة ومكوناتها القانونية
تُعرّف النفقة في القانون الإماراتي بأنها التزام مالي على الزوج يهدف إلى تأمين مقومات الحياة الأساسية للزوجة. وقد فصّلت المادة 63 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي مضمون النفقة وحددت مكوناتها بشكل واضح، حيث نصت على أن: "تشمل النفقة الطعام والكسوة والمسكن والتطبيب والخدمة للزوجة إن كانت ممن تخدم في أهلها وما تقتضيه العشرة الزوجية بالمعروف".
يُبرز هذا النص القانوني نظرة المشرع الشمولية للنفقة، والتي لا تقتصر على المأكل والملبس، بل تتسع لتشمل:
- الطعام والكسوة: وهما الحاجتان الأساسيتان للمعيشة اليومية.
- المسكن: يجب على الزوج توفير مسكن مناسب للزوجية، يتناسب مع حالته المادية.
- التطبيب: يلتزم الزوج بتحمل نفقات علاج الزوجة وأدويتها.
- الخدمة: وهذا بند دقيق يراعي الجانب الاجتماعي للزوجة، حيث تُفرض نفقة الخدمة إذا كانت الزوجة ممن اعتادت على وجود خادمات في بيت أهلها قبل الزواج.
إن فلسفة هذا التعريف القانوني تتجاوز مجرد توفير الضروريات، فهي تجسيد لمبدأ القوامة الشرعية. القانون لم يترك تقدير النفقة للعرف فقط، بل حدد عناصرها الأساسية لضمان حد أدنى من الكفاية والحياة الكريمة للزوجة، حتى في ظل أي خلافات زوجية. هذا الترابط يظهر أن القانون ينظر إلى العلاقة الزوجية ككيان متكامل له حقوق وواجبات متسلسلة، حيث أن التزام الزوج بالإنفاق هو نتيجة مباشرة للعقد الصحيح، وهو سبب لترتيب حقوق أخرى لاحقة مثل نفقة العدة ونفقة المتعة.
2. شروط وجوب النفقة الزوجية: دليل قانوني إماراتي مفصّل
تُعتبر النفقة الزوجية واجبة على الزوج بموجب شروط محددة نص عليها القانون، لا يمكن المطالبة بها إلا بتحققها. إن فهم هذه الشروط هو حجر الزاوية لأي دعوى قضائية تتعلق بـ نفقة الزوجة.
الشرط الأول: قيام الزوجية الصحيحة
النفقة لا تجب إلا بموجب عقد زواج صحيح، وهو الشرط الأولي والبديهي. فلا يُمكن للزوجة أن تطالب بنفقة ما لم تكن هناك رابطة زوجية قائمة وصحيحة شرعاً وقانوناً. وبمجرد انعقاد العقد الصحيح، تبدأ آثار هذا الالتزام بالظهور على الزوج.
الشرط الثاني: تسليم النفس للزوج ولو حكماً
يُعد هذا الشرط من أهم شروط وجوب النفقة. حيث تجب النفقة للزوجة على زوجها بالعقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكماً. إن مفهوم "تسليم النفس حكماً" يُفسّر بأنه تمكين الزوج من الاستمتاع بها، ويشمل مجرد عرض الزوجة للانتقال إلى مسكن الزوجية أو استمرارها في الإقامة فيه، ما لم يوجد مانع شرعي يمنع ذلك. هذا المبدأ يجعل النفقة ديناً على الزوج من تاريخ امتناعه عن الإنفاق، ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء. هذا المفهوم يعزز مكانة النفقة كدين ممتاز يتقدم على سائر الديون، مما يمنع الزوج من التهرب من التزاماته. إن الامتناع عن الإنفاق (السبب) يؤدي إلى تحول النفقة إلى دين (الأثر الأول)، وهذا الدين لا يسقط بالتقادم أو الوفاة (الأثر الثاني)، مما يعزز موقف الزوجة ويضمن حقوقها.
النفقة المؤقتة: حق واجب النفاذ
حرصاً من المشرع الإماراتي على حماية الزوجة من آثار المماطلة في الدعاوى القضائية التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، فقد منحها الحق في طلب نفقة مؤقتة. وقد جاءت المادة 68 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي لتؤكد هذا الحق، حيث نصت على: "للقاضي أن يقرر بناء على طلب من الزوجة نفقة مؤقتة لها، ويكون قراره مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون". هذا القرار يضمن للزوجة الحصول على مبلغ مالي لسد حاجاتها الأساسية فوراً، دون انتظار الحكم النهائي في الدعوى الأصلية.
3. معايير تقدير النفقة: كيف تحدد المحاكم الإماراتية قيمة النفقة؟
تُعد عملية تقدير النفقة من أكثر الجوانب حساسية في قضايا الأحوال الشخصية، حيث لا يوجد مبلغ ثابت يُطبق على جميع الحالات. لقد منح المشرع الإماراتي القاضي سلطة تقديرية واسعة لضمان تحقيق العدالة، آخذاً في الاعتبار مجموعة من العوامل الأساسية.
العوامل القضائية في التقدير
يُراعى في تقدير النفقة سعة المنفق وحال المنفق عليه والوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، على ألا تقل عن حد الكفاية. وتتمثل هذه العوامل في:
- سعة المنفق: أي دخل الزوج وقدرته المالية، فكلما زاد دخله، زادت النفقة. ويُذكر أن النفقة تجب على الزوج حتى لو كان معسراً وكانت الزوجة موسرة.
- حال المنفق عليه: أي حاجة الزوجة لمقومات الحياة الأساسية من مأكل وملبس ومسكن.
- الوضع الاقتصادي: يأخذ القاضي في الاعتبار التغيرات الاقتصادية وأسعار السلع والخدمات في الزمان والمكان.
- الحد الأدنى: يجب أن تُغطي النفقة حد الكفاية للزوجة، بحيث لا تكون أقل من المستوى المعيشي اللائق.
جداول النفقة الاسترشادية: أداة المحكمة في التحديد
تستخدم بعض محاكم الأحوال الشخصية في دولة الإمارات، وتحديداً في دبي، جداول استرشادية لتقدير النفقة بناءً على دخل الزوج الشهري. وعلى الرغم من أن هذه الجداول ليست ملزمة، إلا أنها توفر معياراً أولياً للقاضي وتساعده في تحقيق التوازن بين مصلحة الزوجة وقدرة الزوج. على سبيل المثال، إذا كان دخل الزوج يتجاوز 60,000 درهم، قد تُقدّر النفقة بما لا يقل عن 5,000 درهم فأكثر. إن هذا النهج القضائي يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصلحتين متضادتين: حاجة الزوجة وقدرة الزوج. القاضي هنا يعمل كـ "مُوازن" يضع في اعتباره كل الظروف المحيطة. ورغم السلطة التقديرية، فإن وجود جداول استرشادية يعطي المتقاضين توقعاً مقبولاً للنتيجة، مما يقلل من احتمالية اللجوء إلى التقاضي الطويل ويشجع على الحلول الودية.
4. حالات سقوط النفقة الزوجية: دراسة قانونية للنشوز والأسباب الأخرى
إن الحق في النفقة ليس حقاً مطلقاً، بل قد تسقط النفقة عن الزوجة في حالات محددة نص عليها القانون صراحة. يُعد النشوز السبب الأبرز لسقوط النفقة، بالإضافة إلى حالات أخرى كالإبراء والوفاة.
النشوز القانوني: مفهومه وأثره على النفقة
يُعرّف النشوز بأنه خروج الزوجة عن طاعة زوجها دون عذر شرعي، ويُعد سبباً رئيسياً لـ سقوط النفقة. وقد حددت المادة 71 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي حالات النشوز على سبيل الحصر، حيث نصت على: "تسقط نفقة الزوجة في الأحوال الآتية: - إذا منعت نفسها من الزوج دون عذر شرعي. - إذا تركت بيت الزوجية دون عذر شرعي. - إذا منعت الزوج من الدخول إلى بيت الزوجية دون عذر شرعي. - إذا صدر حكم أو قرار من المحكمة مقيد لحريتها في غير حق للزوج وجاري تنفيذه. - إذا أخلت بالتزاماتها الزوجية التي ينص عليها القانون".
يُثبت النشوز عادةً عبر دعوى إنذار بالطاعة يرفعها الزوج ضد زوجته. فإذا لم تعد الزوجة إلى بيت الزوجية خلال مدة 30 يوماً من تاريخ إعلانها بالإنذار، أو إذا اعترضت على الإنذار ورفضت المحكمة اعتراضها، فإنها تُعتبر "ناشزاً" وتُسقط عنها النفقة من تاريخ ثبوت النشوز. يُعتبر النشوز بمثابة "جزاء" قانوني يترتب عليه حرمان الزوجة من حقها في النفقة، وهذا الجزاء لا يقع إلا إذا كان الامتناع "دون عذر شرعي". إن هذا الربط بين الحق والواجب يؤكد أن القانون الإماراتي يضمن استمرارية العلاقة الزوجية على أساس من الحقوق والواجبات المتبادلة.
العمل أو السفر دون إذن: متى يسقط حق النفقة؟
يُعد خروج الزوجة للعمل أو سفرها دون إذن زوجها من الأفعال التي قد تؤدي إلى سقوط نفقة الزوجة. إلا أن المشرع الإماراتي أضاف استثناءات هامة في المادة 72 من القانون، حيث نصت على أن "لا يعتبر إخلالاً بالطاعة الواجبة خروجها للعمل إذا تزوجها وهي عاملة، أو رضي بالعمل بعد الزواج أو اشترطت ذلك في العقد، وعلى المأذون التحقق من هذا الشرط عند إبرام العقد، كل ذلك ما لم يطرأ ما يجعل تنفيذ الشرط منافياً لمصلحة الأسرة". هذا النص يُظهر مرونة القانون ومواكبته للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فالحق في العمل أصبح أمراً مشروعاً لا يسقط النفقة ما دامت الزوجة قد حصلت على موافقة زوجها صراحةً أو ضمناً.
الوفاة والإبراء: حالات انقضاء الالتزام
يُمكن أن ينقضي التزام الزوج بالنفقة في حالات أخرى غير النشوز. فقد نصت المادة 73 من القانون على أن التزام النفقة ينقضي في حالات ثلاث:
- بالأداء: أي سداد النفقة للزوجة.
- بالإبراء: أي تنازل الزوجة عن حقها في النفقة بشكل صريح.
- بوفاة أحد الزوجين: حيث ينقضي التزام النفقة بوفاة أحدهما، ما لم يكن قد صدر بها حكم قضائي، حيث في هذه الحالة تُصبح النفقة ديناً على التركة.
5. نفقة العدة والمتعة: تمييز قضائي إماراتي بين الأنواع
بعد انقضاء العلاقة الزوجية بالطلاق، لا تنتهي جميع التزامات الزوج المالية. فالقانون يميز بين نوعين من النفقات التي قد تستحقها الزوجة المطلقة: نفقة العدة ونفقة المتعة.
نفقة العدة: أحكامها في الطلاق الرجعي والبائن
نفقة العدة هي حق للزوجة المطلقة، تلتزم المحاكم بفرضها لضمان حياة كريمة للمطلقة خلال فترة عدتها. وقد فصّل القانون أحكام النفقة بحسب نوع الطلاق:
- في الطلاق الرجعي: تستحق الزوجة نفقة العدة طوال فترة عدتها.
- في الطلاق البائن: الأصل هو عدم استحقاق المطلقة بائناً للنفقة، إلا إذا كانت حاملاً، حيث تستحق النفقة حتى تضع حملها. أما إذا لم تكن حاملاً، فلا تستحق النفقة بل السكنى فقط. هذا التمييز يعكس الطبيعة القانونية والشرعية لكل نوع من أنواع الطلاق.
نفقة المتعة: تعويض عن الضرر المعنوي
نفقة المتعة هي مبلغ مالي يدفعه الزوج السابق للمطلقة كتعويض عن الأضرار المعنوية التي لحقت بها جراء انتهاء الحياة الزوجية بإرادة الزوج المنفردة ودون سبب منها. وقد نصت المادة 140 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي على أن: "إذا طلق الزوج زوجته المدخول بها في زواج صحيح بإرادته المنفردة ومن غير طلب منها استحقت متعة غير نفقة العدة بحسب حال الزوج وبما لا يجاوز نفقة سنة لأمثالها، ويجوز للقاضي تقسيطها حسب يسار الزوج وإعساره، ويراعى في تقديرها ما أصاب المرأة من ضرر".
إن فلسفة نفقة المتعة تكمن في أنها ليست نفقة بالمعنى الحرفي، بل هي تعويض عن الضرر المعنوي والنفسي الذي لحق بالزوجة. هذا المبدأ يعكس حكمة المشرع في حماية الزوجة من تعسف الزوج في استخدام حق الطلاق. ويجدر بالذكر أن الزوجة قد تحصل على نفقة العدة ونفقة المتعة معاً إذا توافرت الشروط، وهو ما يوضح أن هذه الحقوق لا يتعارض بعضها مع بعض، بل تتكامل لضمان حقوق الزوجة.
6. الدفوع القانونية في قضايا النفقة: منهج المحامي المحترف في المحاكم الإماراتية
في ساحة القضاء، لا تُحسم قضايا النفقة بالادعاءات فقط، بل بالدفوع القانونية والأسانيد الشرعية والمستندات الثبوتية. إن المحامي المحترف هو من يمتلك القدرة على بناء دفوع قوية، سواء كان ممثلاً للمدعية أو المدعى عليه، لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة لموكله.
دفوع الزوجة المدعية
تعتمد دفوع الزوجة (المدعية) في دعوى النفقة على إثبات الشروط الأساسية لوجوبها، وأهمها:
- إثبات قيام الزوجية: بتقديم عقد الزواج الرسمي.
- إثبات امتناع الزوج عن الإنفاق: بتقديم أدلة على الامتناع، وهو ما يُعد سبباً مباشراً للمطالبة.
- إثبات دخل الزوج: لتمكين المحكمة من تقدير النفقة بناءً على سعة المنفق، وذلك بتقديم كشف راتب أو ما يثبت دخله.
- إثبات استحقاقها لنفقة العدة** أو نفقة المتعة:** في حال كانت مطلقة، يتم إثبات استحقاقها بتقديم صك الطلاق مع إثبات الشروط المطلوبة لكل نوع من النفقات.
دفوع الزوج المدعى عليه
تُعد دفوع الزوج (المدعى عليه) أكثر تعقيداً، حيث تهدف إلى إسقاط النفقة أو تخفيضها، وأهم هذه الدفوع:
- دفع النشوز: يُعد هذا الدفع الأقوى في يد الزوج. لإثباته، يجب على الزوج تقديم إنذار الطاعة، ثم إثبات أن الزوجة تركت مسكن الزوجية أو امتنعت عن العودة إليه دون عذر شرعي. ويُمكنه الاستعانة بالشهود أو الأدلة التي تثبت عدم وجود أي ضرر لحق بالزوجة.
- دفع الإبراء: يُمكن للزوج أن يدفع بأن الزوجة أبرأته من النفقة، ويجب أن يُثبت ذلك بمستندات أو شهود، مع العلم أن الإبراء لا يصح عن النفقة المستقبلية.
- دفع الإعسار: إذا كانت ظروف الزوج المادية قد تغيرت، فإنه يمكن أن يدفع بعدم قدرته على دفع النفقة المقررة. في هذه الحالة، يقع عليه عبء الإثبات بتقديم المستندات التي تدل على ذلك، مثل كشوفات الرواتب، أو ما يثبت تراكم الديون، أو فقدان الوظيفة.
إن فهم هذه الديناميكية القضائية أمر بالغ الأهمية. ففي دعوى النفقة، يقع عبء الإثبات على الزوجة في البداية (إثبات الزوجية والامتناع)، ولكن عند دفع الزوج بـ النشوز أو الإعسار، يتحول عبء الإثبات عليه.
7. تطبيق عملي من الواقع القضائي الإماراتي: مذكرة دفاع في قضية نفقة
لإضفاء الطابع العملي على هذا الدليل، نعرض لكم سيناريو واقعياً يُبيّن كيفية تطبيق الدفوع القانونية في قضية نفقة، مع نموذج من مذكرة دفاع تبرز المنهج القانوني الاحترافي.
الواقعة الافتراضية
تزوج السيد/ أحمد من السيدة/ فاطمة بموجب عقد زواج صحيح وموثق. بعد عدة سنوات من الزواج، نشبت خلافات بين الزوجين، ونتيجة لهذه الخلافات، تركت السيدة/ فاطمة منزل الزوجية وانتقلت للإقامة لدى ذويها دون إذن أو سبب مقنع من وجهة نظر زوجها. بعد شهرين من تركها المنزل، فوجئ السيد/ أحمد بإعلان دعوى نفقة زوجية تطالبه بمتجمد نفقة عن الشهرين الماضيين وبنفقة شهرية مستمرة. يرى السيد/ أحمد أن زوجته "ناشز" وأنها لا تستحق النفقة.
مثال من مذكرة الدفاع
إلى: محكمة الأحوال الشخصية في [اسم الإمارة]
مذكرة دفاع مقدمة من: [اسم المحامي]، الوكيل القانوني عن المدعى عليه السيد/ أحمد...
في الدعوى رقم: [...]، والمقيدة بتاريخ: [...]
الموضوع: مذكرة دفاع في دعوى نفقة زوجية
الوقائع:
أقامت المدعية دعواها الماثلة طالبة إلزام موكلي بمتجمد نفقة ومستمرها. وحيث إن المدعية هي زوجة موكلي بموجب العقد الصحيح، إلا أنها تركت منزل الزوجية الكائن في [عنوان المسكن] دون علم موكلي أو إذنه، ودون أي عذر شرعي يبرر هجرها للمسكن، الأمر الذي حدا بموكلي إلى توجيه إنذار بالطاعة للمدعية بتاريخ [تاريخ الإنذار]، والذي تم إعلانه لها قانوناً، ولم تقم المدعية بالاعتراض عليه خلال الموعد القانوني أو العودة إلى مسكن الزوجية.
الدفوع القانونية:
نلتمس من مقام محكمتكم الموقرة الحكم بـ:
أولاً: عدم استحقاق المدعية لالنفقة الزوجية اعتباراً من تاريخ هجرها لمنزل الزوجية، وذلك لثبوت نشوز الزوجة في هذه الواقعة.
ثانياً: الحكم بسقوط النفقة المستقبلية لعدم وجود مسوغ قانوني لاستحقاقها.
الأسانيد القانونية:
1. انعدام شرط وجوب النفقة بسبب النشوز:
حيث نصت المادة (71) من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي على أنه: "تسقط نفقة الزوجة في الأحوال الآتية: (...) إذا تركت بيت الزوجية دون عذر شرعي".
وفي هذه الحالة، تركت المدعية منزل الزوجية بمحض إرادتها ودون أي سبب أو عذر شرعي، مما يُسقط حقها في النفقة اعتباراً من تاريخ تركها للمسكن.
2. إثبات النشوز بموجب إنذار الطاعة:
قام موكلي بإنذار المدعية بالعودة إلى منزل الزوجية بموجب إنذار رسمي، إلا أنها لم تستجب للإنذار ولم تعترض عليه، مما يجعلها في حالة نشوز قانوني، ويُصبح حقها في النفقة ساقطاً بقوة القانون من تاريخ امتناعها.
الرأي القانوني
إن النجاح في دفع النفقة في هذه القضية يعتمد على قدرة الزوج على إثبات نشوز الزوجة بالأدلة، وقدرة الزوجة على إثبات أن خروجها كان بعذر شرعي (مثل الإضرار بها). وفي مثل هذه الدعاوى، يُعد إنذار الطاعة وإثبات إعلان الزوجة به دليلاً قوياً على أن الزوج قام بواجبه، وأن الامتناع كان من جانب الزوجة.
8. أحكام قضائية مرجعية من محاكم التمييز
لتعزيز الفهم القانوني لـ النفقة الزوجية في القانون الإماراتي، نستعرض بعض المبادئ القضائية المستخلصة من أحكام محاكم التمييز الموثوقة، مع التنبيه إلى أن هذه الأحكام لا يتم نشرها بروابط مباشرة لعامة الجمهور، وأن المصادر المتاحة غالباً ما تكون عبارة عن خلاصات قضائية.
مبدأ قضائي في تقدير النفقة
حكم محكمة تمييز دبي، الطعن رقم 687 لسنة 2023 أحوال شخصية، صادر بتاريخ 04/09/2023:
أكد هذا الحكم على أن تقدير النفقة هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع، ولا يُشترط أن يكون تقديرها على أساس معين، بل يخضع لتقدير قاضي الموضوع بناءً على حالة الزوج المادية والوضع الاقتصادي. هذا المبدأ يُرسّخ فكرة أن القاضي هو الفيصل في تقدير المبلغ العادل، ولا يوجد معيار جامد يُطبق على جميع الحالات.
مبدأ قضائي في سقوط النفقة بالنشوز
حكم محكمة تمييز دبي، الطعن رقم 655 لسنة 2023 أحوال شخصية، صادر بتاريخ 04/09/2023:
أكدت المحكمة في هذا الحكم أن النفقة تُسقط عن الزوجة بمجرد ثبوت نشوزها وعدم طاعتها لزوجها دون مبرر شرعي. هذا المبدأ يُظهر الأثر المباشر لـ نشوز الزوجة على حقها في النفقة، ويُرسّخ القاعدة القانونية التي تربط الحقوق بالواجبات في العلاقة الزوجية.
9. خلاصة وتوصيات قانونية
في الختام، يمكن القول إن النفقة الزوجية في القانون الإماراتي هي التزام قانوني وشرعي على الزوج، يُقصد به توفير مقومات الحياة الكريمة لنفقة الزوجة. تُفرض النفقة بمجرد قيام الزوجية الصحيحة وتسليم الزوجة نفسها، وتُقدّر وفقاً لسعة الزوج وحاجة الزوجة والوضع الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر، فإنها قد تسقط النفقة في حالات محددة أبرزها النشوز القانوني، بالإضافة إلى الإبراء والوفاة.
إن فهم قوانين الأحوال الشخصية في الإمارات ليس ترفاً فكرياً، بل هو خطوة أساسية نحو بناء أسرة مستقرة، وضمان مستقبل كريم، فالقانون هنا ليس إلا مرآة تعكس القيم الأصيلة لمجتمع يؤمن بالحقوق والواجبات المتبادلة. ولضمان حقوقكم، نوصي دائماً باللجوء إلى استشارة محام متخصص في قضايا الأحوال الشخصية قبل اتخاذ أي خطوة قضائية.